الفـراشـات مخلوقـات خـارقة
توجد في الدنيا الملايين من النباتات والحيوانات المختلفة الانواع التي تظهر امامنا، والتي تثبت على وجود وقوة الخالق.وهنا سنعطي عدد قليل من الامثلة للمخلوقات الحية والتي يجب ان ندققها، فكل واحدة منهم صاحب نظام جسمى تختلف عن آخر لها نوع من الغذاء وعملية تكاثر ودفاعها عن نفسها. وبدون شك فأن الكتابة على هذه الكائنات الحية لاتسع كتابتها في كتاب بل لا يحتاج الى مجلدات لكتابتها. وهنا سنذكر بعض الامثلة للاحياء التي لايمكن ان جاءت صدفة وهذا ما سنقوم بأثباته هنا.
لو كان لدينا 450-500 بيضة وهذه البيوص نريد الاحتفاظ بها في الخارج وحماية البيوض من الرياح التي تبعثرها هنا وهناك ماذا يمكن ان نفعل وكيف نتخذ الاحتياطات اللازمة لذلك.
فمن الكائنات الحية التي تستطيع ان تلد في المرة الواحد ما يقارب (450_500) بيضة في المرة الواحدة هي حشرة الحرير وللمحافظة على البيوضات تقوم بهذا التدبير المنطقي وهو ربط البيوضات بعضها ببعض بواسطة مادة خيطية لاصقة تقوم بافرازها وبهذا تمنع تناثر البيوض في الأطراف. وبعد خروج هذه اليسروعات تقوم بربط نفسها غصون شجرة ملائمة لها بواسطة الخيوط التي تفرزها. ومن اجل نموها تقوم بأفرازات خيطية لحياكة الشرنقة، فهذه اليسروعات في خلال 3-4 أيام تقوم بهذه الاعمال كلها. وفي خلال هذه المدة تبدأ بالالتفاف الآلاف المرات حول نفسها ونتيجة لذلك تنتج ما يقارب 900-1500 متر من الخيوط وبعد ان تنتهي من هذا العمل وبدون ان ترتاح تقوم بعملية التغيير من دودة داخل شرنقة الى حشرة كاملة (الفراشة).{ اَفَمن يخلُقُ كَمَن لا يخَلُقُ اَفَلاَ تَذَكَّرُون} (سورة النحل، 17)
الام الحشرة الكاملة "التي تصنع الحرير" من اين تعلمت كيفية المحافظة على اطفالها واليرقات الصغيرة الحجم والتي ليس لها الا ايام من خروجها من بويضاتها كيف تقوم بهذه الاعمال, فهذا ما لم تستطيع نظرية دارفين ايضاحه.فقبل كل شئ (اولا) كيف استطاعت الام ان تفرز هذه الخيوط لتلصق بها بيوضاتها واليرقات التي خرجت من البيضة كيف استطاعت ان تجد مكان مناسب لها لتصنع شرانقها ومن ثم تستطيع ان تتغير دون ان تكون هناك مشاكل. فهذه الأشياء كلها فوق حدود حدود طاقة فهم الانسان. ففي هذه الحالة يمكن ان نستخرج وبكل بساطة ان كل دودة تعرف ما ستفعله في الدنيا. وهذه يعني انها قد تعلمت هذه الاشياء قبل ان تأتي الى الدنيا.
ونستطيع ان نوضح هذا بالمثال الاتي: فالطفل المولد جديداً وبعد مرور عدد ساعات من الولادة يقف الطفل على رجليه ويقوم بجمع ما يحتاجه لصنع فراش للنوم (الغطاء، الوسادة، زربية) وبعد اتمامه ينام عليه فاذا ما رأيتم هذا الشئ ماذا ستفكرون؟ وبعد انتهاء الدهشة ستصلون الى نتيجة وهي ان الطفل قد اخذ هذا التعليم وهو في بطن امه. وهذا شبيه بما يفعله اليرقات.
وهذا توصلنا الى نفس النتيجة وهي ان الاحياء تلد، تتصرف وتعيش مثل ما عين (اراد) الله لهم. فكما بين الله سبحانه وتعالى في القرأن كيف ان النحل تعمل العسل بوحيٍ من الله {واَوحى رَبُّكَ اِلَى النَّحل اِنَ اتَّخِذِى مِنْ الجِبَال بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمَّمِا يَعرِشُونَ ثُمَّ كُلِى مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسُلكىِ سُبُلَ رَبِكَ ذُلُلًا يَخُرُج مِنْ بُطُوِنُهَا شَرابٌ مُخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ فِيِه شِفَاءٌ للِنَّاسِ اَنَّ في ذلِكَ لَايَةً لِقَومٍ يَتَفكَّرُون} (سورة النحل، 68-69)، في الاصل ان من اكبر الاسرار في عالم الاحياء تكون قد انكشفت فالكائنات جميعها تعرف ان ما قدرت لهم من قبل خالقهم سيكون ولهذا فأن عسل النحل تقوم بانتاج العسل وحشرة الحرير تقوم بصنع الحرير.
تناظر الاجنحة
لو نظرنا وبدقة الى اجنحة الفراشة نرى امامنا اجنحة متناظرة الشكل وبدون قصور فهذه الاجنحة الشفافة ، اشكالها، نقاطها، والالوان التي تجملها فأنها خلقت كالوحة مرسومة امامنا دون قصور فانها تمثل لنا شئ فوق العادة في صناعتها.
فاجنحة الفراشة مهما تكون مختلفة فأن اجنحتها الأثنان تماماً تشبه الواحدة الآخر في أدق رسوماتها وانتظام نقاطها وألوانها فلا توجد اختلاط في الوانها الموجودة. فهذه الالوان تتكون من اقراص صغيرة جدا مرتبة واحدة بجانب الآخر. فاذا ما لمسنا هذه الاقراص الصغيرة فأنها تتشتت (تتفرق) فكيف تكون هذه الاقراص الصغيرة دون ان تفقد او تضل صفوفها فتكون نفس النقشة في كلاتي الاجنحة فلو تغيير مكان أي قرص من هذه الاقراص الصغيرة فانها تظهر في الاجنحة فليس هناك على وجه الارض فراشة اجنحتها بدون نظام كأنها من صنع رسام واحد فهذا لانه فعلا من صنع رسام واحد او صانع واحد وخالق واحد عظيم. صاحب جميع الكائنات الذي هو الله ولا مثيل لخلقه يبين لنا صفاته في اجنحة فراشة.{هُوَ اللهُ الخَالَقُ البَارِئُ المُصَوِرُ لَهُ للاَسمِاءُ الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَالارضِ وَهُوَ العَزيُز الحَكيمُ} (سورة الحشر، 24)
الإبـل و ألبـانهــا
قال تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ( الغاشية ) .
في هذه الآية الكريمة يحضنا الخالق العليم بأسرار خلقه حضاً جميلاً رفيقاً ، يقع عند المؤمنين موقع الأمر ، على التفكير و التأمل في خلف الإبل ( أو الجمال ) ، باعتباره خالقا دالا على عظمة الخالق ـ سبحانه و تعالى ـ و كمال قدرته و حسن تدبيره . و سوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً عن بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل يفسر لنا بعض السر في أن الله ـ جل و علا ـ قد خص هذا المخلوق العجيب ، من بين ما لا يحصى من مخلوقاته ، بالذكر في دراساته المتدبرون ، يستوي في ذلك البدوي بفطرته السليمة في صدر الإسلام و علماء الأحياء بأجهزتهم المستحدثة في أواخر القرن العشرين .
و المشهور أن الإبل نوعان : الأول ذوات السنام الواحد و هي الإبل العربية التي تنتشر في شبه الجزيرة العربية و في مناطق تمتد إلى الهند و غرباً إلى البلاد المتاخمة للصحراء الكبرى في إفريقيا . أما النوع الثاني فهو الإبل " الفوالج " أو العوامل ذات السنامين التي تستوطن أواسط آسيا . و تفيد إحصاءات تقديرية للهيئات نشرت حديثاً أنه يوجد في العالم نحو 190 مليون رأس من الإبل ، تسعون بالمائة منها عربية من ذوات السنام الواحد و أكثر من ثمانين بالمائة من هذه في أفريقيا و اول ما يلفت الأنظار في الإبل خصائصها البنيات و الشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من لطائف تأخذ بالألباب . فالعينان محاطتان بطبقتين من الأهداب الطوال تقيانهما القذى و الرمال .
أما الأذنان فصغيرتان قليلتا البروز ، فضلاً عن أن الشعر يكتنفها من كل جانب ليقيها الرمال التي تذروها الرياح ، و لهما القدرة عن الانثناء خلفاً و الالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية، كذلك المنخران يتخذات شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر و حافتهما لحمية فيستطيع الجمل أن يغلقهما دون ما قد تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال . . وذيل الجمل يحمل كذلك على جانبيه شعراً يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح السافيات كأنها وابل من طبقات الرصاص .
أما قوائم الجمل فيه طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار ، كما أنها تساعده على اتساع الخطو و خفة الحركة ، و تتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض ، و من ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة ، وهو ما يصعب على أية دابة سواه و يجعله جديراً بلقب " سفينة الصحراء" .
فما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلى لارتياد الصحارى و قد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحوا من خمسين أو ستين كيلومترا في اليوم الواحد ، و لم تستطع السيارات بعد منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة . و من الإبل أيضاً ما هو أصلح للركوب و سرعة الانتقال ، مثل الرواحل المضمرة الأجسام التي تقطع في اليوم الواحد مسيرة مائة و خمسين كيلومترا .
و مما يناسب ارتفاع قوائم الجمل طول عنقه ن حتى أن يتناول طعامه من نبات الأرض ، كما أنه يستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين يصادفها ، هذا فضلاً عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعاً عن الأقذاء ويساعد الجمل على النهوض بالأثقال .
و حين يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله ، و يرتكز بمعظم ثقله على كلكله ، حتى أنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحناً .
و هذه الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب ، حيث إنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمل الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيراً ما لا يجد الجمل سواها مفترشاً له فلا يبالي بها و لا يصيبه منها أذى . و الجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزود بهذه الوسائد المتغلظة ، فهي شيء ثابت موروث و ليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة .
و للناس في الإبل منافع أخرى غير الانتقال و حمل الأثقال ، فهم ينالون من ألبانها و لحومها و ينسجون الكساء من أوبارها ، و يبنى البدوي خباءه من جلودها .
و في الحديث الشريف : " لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم و مهر الكريمة " ( و رقوء الدم لأنه كانت تدفع بها الديات في حوادث القتل . و لنتأمل الأدب الراقي في النهي حتى عن سب الحيوان)
و حسب الإبل فضلاً أن الله جعلها خير ما يهدى إلى بيته المحرك و جعلها من شعائره : ( و البدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فذا وجبت جنوبها فكلوا منها و أطعموا القانع و المعتر كذلك سخرها لكم لعلكم تشكرون )) الحج (
هذه بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل و البنيان الخارجي ، و هي خصائص يمكن إدراكها بالفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل على قدرة الخالق . و نواصل الآن عرض جهود الباحثين من علماء الأحياء ( البيولوجيا ) في الكشف عن الكثير من خصائص الإبل الوظيفية لإظهار ما فيها من غوامض و أسرار أودعها الحق ـ سبحانه و تعالى .
و نبدأ بإيضاح ما نعرف عن الإبل من صبر و العطش ، ففي بيئة الإبل التي يقل فيها الزرع و الماء لا يكتب العيش إلا لحيوان فطر الله جسمه على حسن تدبير أمور استخدام ما عنده من ماء و غذاء غاية الاقتصاد ، و له في ذلك أساليب معجزة تدعو للعجب و تسبيح الخالق ( .. الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى ) ( طه)
من هذه الأساليب أن الجمل لا يتنفس من فمه و لا يلهث أبداً مهما اشتد الحر أو استبد به العطش ، وهو بذلك يتجنب تبخر الماء من هذا السبيل ن كذلك يمتاز الجمل بأنه لا يفرز إلا مقدار ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحارة بين الليل و النهار . و يستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة نحو سبع درجات كاملة دون ضرر ، أي بين 34م و 41 م ، و لا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41م و يكون هذا في فترة قصيرة من النهار أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد قطرة ماء . و هذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة ألتار كاملة من الماء . و لا يفوتنا أن نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجل و بين نظيرتها عند جسم الإنسان الذي ثبت درجة حرارة جسمه العادية عند حوالي 37 م ، و إذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع ، و ربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل ( 34م و 41 م ) .و هناك أم آخر يستحق الذكر ، وهو أن الجسم يكتسب الحرارة من الوسط المحيط به بقدر الفرق بين درجة حرارته و درجة ذلك الوسط . و لو لم يكن جهاز ضبط حرارة جسم الجمل ذكياً و مرنا بقدرة الخالق اللطيف لكان الفرق بين درجة حرارة الجمل و درجة حرارة هجير الظهيرة فرقاً كبيراً يجعل الجمل إلى 41م في نهار الصحراء الحارق يصبح هذا الفرق ضئيلاً و تقل تبعاً لذلك كمية الحرارة التي يمتصها الجسم . و هذا يعني ان الجمل الظمآن يكون أقدر على تحمل القيظ من الجمل الريان ، فسبحان الله العليم بخلقه .
و يضيف علماء الأحياء ووظائف الأعضاء ( الفسولوجيا ) سببا جديداً يفسر قدرة الإبل على تحمل الجوع و العطش عن طريق إنتاج الماء الذي يحتاجه من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها.
فمن المعروف أن الشحم و المواد الكربوهيدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء و غاز ثاني أسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس ن بالإضافة إلى تولد كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحيوي .
و الماء الناتج عن عملية احتراق الشحوم من قبيل الماء الذي يتكون على هيئة بخار حين تحترق شمعة على سبيل المثال ، و يستطيع المرء أن يتأكد من وجوه إذا قرب لوحا زجاجياً باردا فوق لهب الشمعة وحظ أن الماء الناتج من الاحتراق قد تكاثف على اللوح . و هذا مصدره البخار الخارج مع هواء الزفير . و معظم الدهن الذي يختزنه الجمل في سنامه يلجأ إليه الجمل حين يشح الغذاء أو ينعدم ، فيحرقه شيئاً فشياً و يذوى معه السنام يوماً بعد يوم حتى يميل على جنبه ، ثم يصبح كيساً متهدلاً خاوياً من الجلد إذا طال الجوع و العطش بالجمل المسافر المنهك .
و من حكمة خلق الله في الإبل أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيراً للغاية يفوق أي حيوان آخر و يكفي دليل على ذلك أن نقارن بين الجمل و الخروف المشهور بإليته الضخمة المملوءة بالشحم . فعلى حين نجد الخروف يختزن زهاء 11كجم من الدهن في إليته ، يجد أن الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف ( أي نحو 120 كجم ) ، و هي كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها و تحويلها إلى ماء و طاقة و ثاني أكسيد الكربون . و لهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر و نصف بدون ماء يشربه . و لكن آثار العطش الشديد تصيبه بالهزال و تفقده الكثير من وزنه ، و بالرغم من هذا فإنه يمضي في حياته صلدا لا تخور قواه إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعب ( تعزى قدرة الجمل الخارقة على تجرع محاليل الأملاح المركزة إلى استعداد خاص في كليته لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم ) فيعب منه عبا حتى يطفئ ظمأه .
و هنالك أسرار أخرى عديدة لم يتوصل العلم بعد على معرفة حكمتها ولكنها تبين صورا أخرى للإعجاز في خلق الإبل كما دل عليه البيان القرآني .
فلنتأمل الآن قوله تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت . و إلى السماء كيف رفعت . و إلى الجبال كيف نصبت . و إلى الأرض كيف سطحت ( فذكر إنما أنت مذكر ) ( الغاشية )
في هذه الآيات الكريمة يخص الله ت سبحانه و تعالى ـ الإبل من بين مخلوقاته الحية، و يجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السموات و نصب الجبال و تسطيح الأرض ، و يدعو إلى أن يكون النظر و التأمل في هذه المخلوقات مدخلا إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق و بديع صنعه . ولم يقم بين المفسرين في هذا الموضع مشاكل في الفهم تثير الخلاف ، لكن منهم من اقتصر على القول بأن الإبل قد ذكرت مجرد مثال لشيء مما خلق الله من حيوان ، ولعلهم بيئتهم ، فهو مثال مناسب للمقام ، و لا شك في هذه المناسبة ، للمخاطبين الأوائل من العرب ، فهذا الأساس البلاغة ، و لكن الصحيح أيضاً أن الإبل نموذج فريد في إعجاز الخلق ، و قد كشف العلم الحديث عن بعض الحقائق المذهلة في حياة هذا المخلوق الذي خصه الله بالذكر من بين ما لا يحصى من مخلوقات الله ن و امتد الاهتمام مؤخرا إلى الدور المتميز الذي يمكن أن تقوم به الإبل في مشاكل الأمن الغذائي للبشر . ففي عامي 1984 و 1985 ، حين أصيبت أفريقيا بالجفاف هلكت ـ أو كادت تهلك ـ في كينيا القبائل التي كانت تعيش على الأبقار التي كفت عن إفراز اللبن ثم مات معظمها ، بينما نجت القبائل التي كانت تعيش على الإبل ، لأن النوق استمرت في الجود بألبانها في موسم الجفاف . و من هنا أصبح للاهتمام بالإبل أيضاً دوافع اقتصادية و مستقبلية مهمة و دعا أهل الاختصاص إلى التعمق في دراسة هذا الحيوان في عالم تستنفد سريعاً موارده من الغذاء و الطاقة .
و لقد سبق أن أوضحنا أن النظرة المتأملة في الإبل أقنعت الناس منذ عهد نزول الوحي بصورة ظاهرة فيها من إعجاز الخلق ما يدل على قدرة الخالق ، كما أن العلماء و الباحثين المتعمقين لا يزالون حتى اليوم يجدون آيات خفية جديدة في ذلك الحيوان العجيب تعمق الإيمان بقدرة الخالق ، و تحقق التوافق و الانسجام بين حقائق العلم الموضوعية التي يكشف عنها العلماء و بين ما أخبر به الحق جل وعلى في قرآنه الكريم .
و لعل في المقارنة بين بعض قدرات الإبل و الإنسان ما يزيد الأمر إيضاحا بالنسبة لنموذج الإبل الفريد في الإعجاز . فقد أكدت تجارب العلماء أن الإبل التي تتناول غذاء جافاً يابساً يمكنها أن تتحمل قسوة الظمأ في هجير الصيف لمدة أسبوعين أو أكثر ، ولكن آثرا هذا العطش الشديد سوف تصيبها بالهزال لدرجة أنها قد تفقد ربع وزنها تقريباً في خلال هذه الفترة الزمنية . و لكي ندرك مدى هذه المقدرة الخارقة نقارنها بمقدرة الإنسان الذي لا يمكنه أن يحيا في مثل تلك الظروف أكثر من يوم واحد أو يومين . فالإنسان إذا فقد نحو 5% من وزنه ماء فقد صوابه حكمه على الأمور ، و إذا زادت هذه النسبة إلى 10% صُمَّت أذناه و خلط و هذى و فقد أساسه بالألم ( و هذا من رحمة الله به و لطفه في قضائه ) . أما إذا تجاوز الفقد 12% من وزنه ماء فإنه يفقد قدرته على البلع و تستحيل عليه النجاة حتى إذا وجد الماء إلا بمساعدة منقذيه . و عند إنقاذ إنسان أشرف على الهلاك من الظمأ ينبغي على منقذيه أن سقوه الماء ببطء شديد تجنباً لآثار التغير المفاجئ في نسبة الماء بالدم . أما الجمل الظمآن إذا ما وجد الماء يستطيع أن يعب منه عبا دون مساعدة أحد ليستعيد في دقائق معدودات ما فقد من وزنه في أيام الظمأ .
و ثمة ميزة أخرى للإبل على الإنسان . فإن الجمل الظمآن يستطيع أن يطفئ ظمأه من أي نوع وجد من الماء ، حتى و إن كان ماء البحر أو ماء في مستنقع شديد الملوحة أو المرارة ، و ذلك بفضل استعداد خاص في كليتيه لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيدا معظم ما فيه من ماء لترده على الدم . أما الإنسان الظمآن فإنه أية محاولة لإنقاذه بشرب الماء المالح تكون أقرب إلى تعجيل نهايته . و أعجب من هذا كله أن الجمل إذا وضع في ظروف بالغة القسوة من هجير الصحراء اللافح فإنه سوف يستهلك ماء كثيراً في صورة عرق و بول و بخار ماء ، مع هواء الزفير حتى يفقد نحو ربع وزنه دون ضجر أو شكوى . و العجيب في هذا أن معظم هذا الماء الذي فقده استمده من أنسجة جسمه و لم يستنفذ من ماء دمه إلا الجزء الأقل ، و بذلك يستمر الدم سائلاً جارياً موزعاً للحرارة و مبددا لها من سطح جسمه ، و من ثم ترتفع درجة حرارته ارتفاعاً فجائياً لا تتحملها أجهزته ـ و خاصة دماغه ـ و في هذا يكون حتفه .
و هكذا نجد أن الآية الكريمة ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) تمثل نموذجا لما يمكن ان يؤدي إليه العلم بكافة مستوياته الفطرية و العلمية ، وليس في نصّها شيء من حقائق العلوم و نظرياتها ن و إنما فيها ما هو أعظم من هذا ن فيها مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق بذلك التوجيه الجميل من الله العليم الخبير بأسرار خلقه .
كذلك تحث هذه الآية الكريمة على دراسة الإبل باعتبارها من مخلوقات الله العجيب و الفريدة في إعجاز الخلق ، و إن في خلقها بالفعل آيات من إحكام التقدير و لطف التدبير مما شغل العلماء على مر العصور .. و الحديث ها على ألبان الإبل تحديدا لنرى بعض الحقائق التي ذكرت عنها في المراجع العلمية الحديثة ، من حيث تركيبها و فوائدها كغذاء و دواء . تدل الإحصائيات على أن الناقة تحلب لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يومياً ، و يبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5 ـ 10 كجم من اللبن ، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230 ـ 260 كجم .
و يختلف تركيب لبن الناقة بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها ن كما يختلف من ناقة لأخرى ، و كذلك تبعاً لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة و النباتات الرعوية التي تقتاتها و المياه التي تشربها و كمياتها، ووفقا لفصول السنة التي تربى بها و درجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها و العرم الذي وصلت إليه هذه الناقة و فترة الإدرار و عددا لمواليد و القدرات الوراثية التي يمتلكها الحيوان ذاته ، و طرائق التحليل المستخدمة في ذلك .
و على الرغم من أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية ، سواء لصغر الناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن ، فإنها من جانب آخر تشير و تدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل . و بشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلاً للحمرة ، وهو عادة حلو المذاق لاذع ، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحا ، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه ، و ترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف و النبات التي تأكلها الناقة و المياه التي تشربها. كذلك ترتفع قيمة الأس الهيدروجيني Ph) و هو مقياس الحموضة) في لبن الناقة الطازج ، و عندما يترك لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة فيه بسرعة .
و يصل محتوى الماء في لبن الناقة بين 84 % و 90% و لهذا أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغرى الإبل و السكان الذين يقطنون المناطق القاحلة ( مناطق الجفاف ) . و قد تبين أن الناقة الحلوب تفقد أثناء فترة الإدرار ماءها في اللبن الذي يحلب في أوقات الجفاف ، و هذا الأمر يمكن أن يكون تكيفاً طبيعياً ، و ذلك لكي توفر هذه النوق و تمد صغرها ـ في الأوقات التي لا تجد فيها المياه ـ ليس فقط بالمواد الغذائية ، ولكن أيضا بالسوائل الضرورية لمعيشتهم و بقائها على قيد الحياة ، و هذا لطف و تدبير من الله سبحانه و تعالى .
و كذلك فإنه مع زيادة محتوى الماء في اللبن الذي تنتجه الناقة العطشى ينخفض محتوى الدهون من 4،3 % إلى 1،1 % ، و عموما يتراوح متوسط النسبة المئوية للدهون في لبن الناقة بين 2،6 إلى 5،5% ، و يرتبط دهن اللبن بالبروتين الموجود فيه .
و بمقارنة دهون لبن الناقة مع دهون ألبان الأبقار و الجاموس و الغنم لوحظ أنها تحتوي على حموض دهنية قليلة ، كما أنها تحتوي على حموض دهنية قصيرة التسلسل ، وربما يمكن العثور على حوض دهنية طويلة االتسلسل . و يرى الباحثون أن قيمة لبن الناقة تكمن في التراكيز العالية للحموض الطيارة التي تعتبر من أهم تغذية الإنسان ، و خصوصا الأشخاص المصابين بالقلب .
و من عجائب الخلق الإلهي في لبن الإبل أن محتوى اللاكتوز في لبن الناقة يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار و حتى في لك من الناقة العطشى و النوق المرتوية من الماء . و هذا لطف من العلي القدير فيه رحمة و حفظ للإنسان و الحيوان ، إذ إن اللاكتوز ( سكر اللبن ) سكر هام يستخدم كمليّن و كمدّر للبول ، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع .
و فضلاً عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل ، فإن لها استخدامات و فوائد طبية عديدة تجعله جديراً بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق .
و هذا من فضل الله العظيم و فيضه العميم