والى الارض كيف سطحت! أليست الأرض كروية؟
بقلم: حسين أحمد كتّاب
} بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ {
}وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {
لعل هذه الآية “والى الارض كيف سطحت” وآيات اخرى على نفس النسق تُعدّ من الآيات التي أرهقتني وحيرتني ولربما حيّرت الكثيرين مثلي لزمن طويل، فهي تبدو وكأنها تغاير العلم الحديث وما تعلمناه في المدارس عن حقيقة كروية الأرض، وقد استُغلّ الموضوع بشكل كبير من المشككين ولربما أضلوا به الكثير وهذا بالفعل ما دفعني للتعمق بالموضوع وكتابة هذه المقالة بعد أن قرأت مقالة أحدهم. على ما يبدو فإن هناك حقيقة علمية وراء كل هذه الآيات أغفلها العلم الحديث وبالتالي جعلنا لا ندرك واقعها، فقد كتب فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي “ان القرآن كلام الله المتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة، ومعنى ذلك أنه لا يجب أن يحدث تصادم بينه وبين الحقائق العلمية في الكون لأن القرآن الكريم لا يتغير ولا يتبدل ولو حدث مثل هذا التصادم لضاعت قضية الدين كلها. ولكن التصادم يحدث من شيئين؛ عدم فهم حقيقة قرآنية أو عدم صحة حقيقة علمية. فإذا لم نفهم القرآن جيدا وفسرناه بغير ما فيه حدث التصادم، وإذا كانت الحقيقة العلمية كاذبة حدث التصادم”. تالياً الآيات المتشابهة في النسق والمعنى:
} ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ { البقرة 22
} أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً { النبأ 6
} وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {النازعات 30
} وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الرعد 3
} وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ { الحجر 19
} وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ { ق 7
} وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً { نوح 19
} وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا { الشمس 6
أما من حيث المعنى اللغوي في لسان العرب:
السطح: ظهر البيت إِذا كان مستوياً لانبساطه؛ معروف، وهو من كل شيء أَعلاه! وسَطَحَ اللهُ الأَرضَ سَطْحاً: بسطها.
البسط: نقيض القَبْضِ! والبِساطُ ما بُسِط.
الدحي: الدَّحْوُ: البَسْطُ. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها.
المهاد: الفِراش. وقد مَهَدْتُ الفِراشَ مَهْداً، المِهادُ أَجمع من المَهْد كالأَرض جعلها الله مِهاداً للعباد.
طحاها: طَحَاه طَحْواً وطُحُوّاً: بسطه.
الفراش: فَرَشَ الشيء يفْرِشُه: بسَطَه. وقوله تعالى: الذي جعل لكم الأَرض فِراشاً؛ أَي وِطاءً لم يَجْعلها حَزْنةً غَليظة لا يمكن الاستقرار عليها.
فالعامل المشترك بين الفراش والمهاد والسطح والبساط هو انها اشياء توضع فوق “الأرض” لتوفير الغاية المطلوبة، بينما يختص فعل الدحي بالمد والتوسع. فتفسير الآيات السابقة يتطابق مع المعنى اللغوي من حيث المعنى والمبدأ، فتفسير { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } في كتب التفسير: “جبل مُسَطَّح: إذا كان في أعلاه استواء” وأيضاً في الآية الكريمة: { وإلى الأرض كيف بُسطت } في كتب التفسير: “جبل مُسَطَّح إذا كان في أعلاه استواء”، أما تفسير { وَٱلأَرْضَمَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } يعنـي “والأرض دحوناها فبسطناها، … وذُكر لنا أن أمّ القرى مكة، منها دُحيت الأرض”، وهنا تكمن نقطة البداية لتفسير الآيات! وهذا ما سنوضحه … الآن!
رسم تشبيهي لفترة تكوّن االكواكب
والى الارض كيف سطحت – سورة الغاشية
يُجمع العلم الحديث على أن الكرة الأرضية تكونت من مخلفات انفجار سابق لنجم كبير في حدث يسمى الـ سوبر نوفا وتكونت الكرة الأرضية والكواكب الصلبة نتيجة تجمّع مخلفات الانفجار (الكويكبات الجنينية أو الكِسف) كما بيّنا في مقالتنا ما هي الخنس؟ الجوار الكنس؟، عملية الاصطدام والتجمع نتج عنها تحول طاقة الحركة الى حرارة وبالتالي؛ ولد كوكب منصهر اسمه الأرض وكان شكله كروي الى ما يقارب درجة الكمال. ثم أنزل الله الماء على سطح هذا الكوكب “بقدر” كما بيّنا في مقالتنا كيف أنزل الله الماء بحيث اصبحت الكرة الأرضية مغمورة بالكامل بالماء! وهنا يبيِن لنا الحديث النبوي الشريف والذي صُنِّف كـ غريب وذلك لغرابة موضوعه بأن الكرة الأرضية كانت مغمورة بالكامل بالماء ثم بزغت قطعة صخرية حيث توجد الكعبة الآن:
كتلة من الزبد، جزيرة قيد الولادة في جزر الكناري، أقرب الجزر شبها بوصف الحديث النبوي الشريف. وهي مثال لظهور اليابسة فوق سطح البحر ومدها، وهكذا ظهرت اليابسة مكان البيت واتسعت من تحته بعد أن كانت الكرة الأرضية مغمورة بالكامل بالماء
روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض, والحديث ذكره الهروي في غريب الحديث كما ورد حديث مشابه أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ موقوفا عليه: أنه ـ أي البيت الحرام ـ كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زَبدة ـ بفتح الزاي, أي كتلة من الزَبد ـ بيضاء فدحيت الأرض من تحته.ومثله ”أول ببيت ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض خلقه الله تعالى قبل الأرض بألفي عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها“
أي ان مكة كانت النقطة التي توسعت منها الرقعة الأرضية فوق سطح الماء والتي سماها العلماء في آخر مراحلها بـ بانجيا أو القارّة الأم والتي بالتالي تشققت وانقسمت الى القارات التي نعرفها اليوم وقد وصفها لنا تعالى في سورة عبس 26 { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } فكان فعل صب الماء في البداية تم تبعه فعل شق الأرض الموضح في الصورة التشبيهية التالية حيث تغطي اليابسة حالياً 29% من سطح الأرض بينما تغطي المياه 71% من سطحها. فالعلماء في يومنا (2013) لا يرون بأن الأرض كانت مغمورة بالكامل بالماء، وانما كانت هناك كتلة واحدة منذ البداية فوق سطح الماء تشققت فيما بعد الى القارات التي نعرفها اليوم!
تكوّن القارّة الأم بانجيا ثم انقسامها الى القارّات التي نعرفها الآن
وبالتالي فإن الكلمات “سطحت” و “دحاها” و “مددناها” و “بسطها” و “فراشاً” و “مهادا” و “طحاها” ليس لها علاقة بشكل الأرض أو بكرويتها وإنما تتعلق بطريقة تشكُّل وتوسع اليابسة فوق “سطح الماء” والتي اصبحت “مهداً” و “فراشاً” يصلح لنشأة للحياة البرية وبالتالي نحن؛ فجعلها الله مِهاداً للعباد.
جبل مسطح إذا كان في اعلاه استواء! ومنه دحيت الأرض، الاعجاز العلمي في القران الكريم – والى الأرض كيف سطحت.
والآن، هل اصبحت الآيات التالية أوضح؟ { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الرعد 3، 4. نعم، جبل مسطح: إذا كان في أعلاه استواء ومنه مد الله الأرض وأوسعها ثم شقها! والتي لا يمكن مدّها وشقّها الا بوجود باطن منصهر وحركة في قشرة الأرض كما بينّا في مقالاتنا أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا و وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ.
الجميل في هذا الموضوع هو دقة الوصف للجزيرة (مكة) والزبد على سطحها، هذه عظمة هذا الدين، فنحن نسلِّم بكل ما ورد في كتاب الله وما ورد عن رسوله الأمين، فكل كتب التفسير ورد بها نفس التفسير “جبل مسطح إذا كان في اعلاه استواء!” والكل سلّم به ولأكثر من 1400 سنة دون أي تردد، وها نحن في عصرنا بدأنا نفهم الصورة الكاملة.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
المراجع:
1. شرح مغلطاي لسنن ابن ماجة
2. غريب الحديث
3. موقع فضيلة الدكتور زغلول النجار
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.comمن نعم الله تبارك وتعالى أنه جعل هذه الأرض كروية فاختار لها محيطاً أو قطراً لدائرتها مناسباً تماماً للحياة على ظهرها، فعندما ننظر حولنا في أي اتجاه لا نرى كروية الأرض ولا نحس بحركة هذه الأرض أيضاً ولا نشعر أن هنالك تقوساً أو انحناءً، بل نراها ممهدة ونراها مسطحة أيضاً، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى جعل محيط الأرض وهو بحدود 40 ألف كم هو الرقم المناسب لكي نرى الأرض مسطحة أمامنا، وأمرنا أن ننظر ونتأمل في هذه الأرقام وهذه الحقائق، قال تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:17-20]، والعلماء اليوم عندما ذهبوا إلى الكواكب الأخرى، واكتشفوا حقيقة هذه الكواكب، وجدوا أن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي إذا وقفت على ظهره لا تشعر بأي انحناء أو أي خلل، بل تراه مسطحاً وممهداً ومفروشاً أمامك، لذلك قال تعالى: (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) [الذاريات: 48].
إذا نظرنا إلى سطح القمر مثلاً، نلاحظ أنه مليء بالفوهات البركانية، وبالحفر التي أحدثتها الزلازل والنيازك التي ضربته لبلايين السنين، فإذا نظرنا إلى القمر نرى أنه غير مسطح وغير ممهد وغير صالح للحياة أصلاً، فلا يمكن إنشاء وإعمار الحياة على ظهر القمر، بينما الأرض هيأها الله تبارك وتعالى لنا، لكي تناسب حياتنا بالشكل الذي يجعلنا أكثر استقراراً على ظهرها، وذكرنا بهذه النعمة، وأن الله تعالى هو من مهدها لنا وجعلها قراراً: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64].
من عجائب هذا الكوكب أن الله تبارك وتعالى خلقه مقسماً إلى طبقات، فالكرة الأرضية طالما نظر الناس إليها على أنها جسم مستوٍ محاط بالبحار من كل الجوانب، حتى إنهم كانوا يسمون البحار البعيدة مثل المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي وغيرها بحار الظلمات، أي يعتبرون أن هنالك بقعة من اليابسة تحيط بها البحار من كل جانب، هذه نظرتهم قديماً إلى الأرض. ولكن بعد أن اكتشف العلماء بعض أسرار الأرض تبين لهم أن هذه الأرض ليست كتلة واحدة، إنما هي عبارة عن طبقات، بعضها فوق بعض.
لو بدأنا من خارج الأرض، من سطح الأرض نلاحظ أن لدينا طبقة رقيقة جداً هي: القشرة الأرضية، والتي تمتد لسبعين أو ثمانين كيلو متر أو مئة كيلو متر (وتختلف من منطقة لأخرى)، هذا الغلاف أو هذه القشرة الأرضية ليست كتلة واحدة إنما منقسمة إلى مجموعة من الألواح يفصل بينها صدع كبير وهو عبارة عن تشققات هائلة تمتد لآلاف الكيلومترات، تقسم قشرة الأرض إلى مجموعة من الألواح.
إذا تأملنا الصور الواردة من الأقمار الاصطناعية، وكذلك الصور التي رسمها العلماء نلاحظ أن هذه الأرض ليست كتلة واحدة، إنما مقسمة إلى مجموعة من الألواح وفيها صدع مشترك، ومتعرج ويقسم هذه القشرة الأرضية إلى مجموعة من الألواح، ولذلك قال تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) [الطارق: 12]،وهذه الميزة لم يكن لأحد علم بها في ذلك الزمن، زمن نزول القرآن. ونرى في هذه الصورة الصدع الموجود في أثيوبيا والذي يمتد لآلاف الكيلومترات.
لقد رأى أخيراً الإنسان هذا الصدع وصوره وصور حركته أيضاً، وصور حركة هذه الألواح وهي تتحرك متباعدة عن بعضها، ففي العام 2005 قام بعض العلماء بمراقبة الصدع الذي يفصل اللوح العربي الذي يضم الجزيرة العربية والبحر الأحمر وهكذا، عن اللوح الأفريقي الذي يضم قارة إفريقيا، عند منطقة أثيوبيا (هنالك شق واضح)، صوره العلماء وأجروا التجارب ووجدوا أن اللوح الأفريقي يبتعد عن اللوح العربي، ووجدوا أن هنالك مجموعة من الحمم البركانية تتدفق أثناء تباعد هذين اللوحين، وهذه الحمم البركانية تتجمد وتشكل بعض أنواع الصخور.
وهذا ما تحدث عنه القرآن بل وأقسم بالأرض وبأن لها ميزة هي ذات صدع، يقول تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق: 11-14]،
هذه الألواح كما قلنا تتحرك باستمرار، وتتحرك معها الجبال، وقد استطاع العلماء قياس هذه الحركة بدقة، فمثلاً قارة استراليا، تحركت في العام الماضي مسافة 73 ملم باتجاه الشمال الشرقي، وقد رصد العلماء هذه الحركة بالأقمار الاصطناعية وقاسوها بدقة، وهنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى عن حركة الجبال: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].
صدع أندرياس الذي يمتد لأكثر من 1300 كيلو متر، ونلاحظ بوضوح المسافة التي تقسم لوحين أرضيين، إن هذه الصور الملتقطة حديثاً لم يكن لحد علم بها زمن نزول القرآن، فكيف جاء ذكرها في القرآن؟! التفسير المنطقي الوحيد هو أن القرآن نزل بعلم الله تعالى!
ثم يأتي بعد القشرة الأرضية طبقة ثانية هي: الغلاف الصخري الحارّ وهذه الطبقة أيضاً تمتد تحت القشرة الأرضية، وتتحرك أيضاً مع القشرة الأرضية. ثم يأتي بعدها ثلاث طبقات متتالية يسميها العلماء: (الوشاح) هذه الطبقات الثلاثة هي: الوشاح الأعلى والوشاح الأوسط والوشاح الأدنى.
ثم يأتي بعد ذلك كلما تعمقنا في الأرض تأتي طبقة هي: النواة وهذه النواة تنقسم إلى طبقتين: طبقة خارجية صلبة تسمى النواة الخارجية، وطبقة داخلية سائلة تسمى النواة الداخلية.
لقد كان العلماء سابقاً يظنون بأن الأرض تتألف من ثلاث طبقات فقط: القشرة والنواة وطبقة ثالثة بينهما. ولكن بعد ذلك اكتشفوا أن النواة عبارة عن طبقتين فقالوا: إن الأرض أربع طبقات. ثم اكتشفوا أن القشرة الأرضية يوجد تحتها غلاف صخري فقالوا: إن الأرض تتألف من خمس طبقات. ثم اكتشفوا أن منطقة الوشاح هذه فيها: مناطق حارة ومناطق أكثر حرارة ولذلك قالوا: هنالك طبقتين فأصبحت عدد الطبقات ستة. وآخر الدراسات وهي الدراسات اليقينية التي أجريت في منتصف العام 2007 باستخدام الموجات الزلزالية أثبتت أن الأرض سبع طبقات.
ولكن ما هي الموجات الزلزالية؟ هذه الموجات هي عبارة عن موجات يسببها الزلزال، فالزلزال عندا يحدث فإنه يسبب موجات ميكانيكية عنيفة جداً تنتقل إلى نواة الأرض، هذه الموجات كلما وصلت إلى طبقة من طبقات الأرض فإنها تنعكس تماماً مثل الضوء عندما يسقط على الزجاج مثلاً أو على المرايا فينعكس، وكلما نزل على طبقة نجد أن هذا الشعاع ينعكس عن كل طبقة يسقط عليها، فلاحظوا أن عدد طبقات الأرض هو سبع طبقات، وهذه أحدث نتيجة وصل إليها العلماء في وكالة الجيولوجيا الأمريكية، وهذه الوكالة طبعاً هي مصدر موثوق جداً للمعلومات تماماً توازي وكالة ناسا للفضاء.
وهنا ربما نعجب إذا علمنا أن القرآن الكريم حدثنا عن هذا الأمر قبل 14 قرناً وحدد لنا عدد هذه الطبقات، يقول تبارك وتعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) وفي آية أخرى يقول: (سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا) [الملك: 3] بعضها فوق بعض طبقات، (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي مثل هذه الطبقات السبع، (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) فانظروا إلى الحكمة والهدف من هذه الطبقات السبع: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12].
تصوروا معي هذه الحمم المنصهرة التي تقذف يها الأرض وهي عبارة عن صخور منصهرة!! تصوروا لو أن إنساناً فكر مجرد تفكير باختراق الأرض! إن العلماء لم ينزلوا إلى باطن الأرض، ولا يستطيعون أصلاً أن يصلوا بسبب الضغوط الهائلة ودرجات الحرارة التي تصل إلى آلاف الدرجات المئوية والتي تصهر أي مادة مهما كانت قوية، لذلك لا يمكنهم أبداً أن يخترقوا أقطار الأرض أو ينفذوا من خلالها، وهذا ما حدثنا عنه القرآن، قال تبارك وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن: 33].
فالله تبارك وتعالى أخبر أن هذه الأرض لا يمكن لأحد أن ينفذ من خلالها، وهنا ربما نرى إشارة عجيبة إلى طبقات الأرض وإلى اختلاف أقطارها، في قوله تبارك وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فلم يقل "قطر" واحد بل قال (أَقْطَارِ) وطبعاً كل طبقة من هذه الطبقات لها قطر يختلف عن الأخرى، إذاً هي طبقات بعضها فوق بعض، ولكل طبقة هنالك قطر.
هدف هذه الحقائق
والآن لنتساءل: لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة الكونية في كتابه: هل لمجرد أن نطلع على معلومات كونية؟ أو مجرد حب المعرفة؟ أم أن هنالك هدفاً عظيماً؟ لنتأمل الآية من جديد: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) تأملوا معي هذه الكلمة لماذا جعل الله تعالى سبع طبقات وحدثنا عنها: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أيها الإنسان – أيها الملحد – أيها الغافل عن ذكر الله تبارك وتعالى – إن الله تبارك وتعالى حدثك عن طبقات الأرض السبعة وأخبرك أن السموات سبعة أيضاً وأنت اليوم تشاهد بنفسك هذه الطبقات السبع وهو أعلم بالسر وأخفى، فكما أن الله تبارك وتعالى حدثك عن شيء لا تراه بعينك ولا يمكن لأحد رؤيته، ولكن الأجهزة تقيسه لك، كذلك فإن الله يعلم جميع أعمالك، وأنه أحاط بكل شيء علماً: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
بقلم الشيخ محمد صنقور
الأرض في القرآن كرويَّة أم مسطَّحة؟
المسألة:
هنالك بعض الآيات في القران الكريم قد توحي بمدلولات متناقضة مع العلم الحديث كأن يعبِّر القرآن الكريم بأنَّ الأرض مسطَّحة بينما العلم والأدلة اليوم تُثبت بأنَّ الأرض كُرَوِيَّة! فكيف يمكن رفع هذا التّناقض؟
كروية الأرض في القرآن:
ليس في القرآن الكريم آية مفادها أنَّ الأرض مسطَّحة بل ثمَّة ما يُشير في بعض الآيات إلى كرويَّة الأرض كما في قوله تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ"(1).
فالتَّكوير يعني الاستدارة، ولا معنى لاستدارة الليل والذي هو الظّلمة لولا كرويّة الأرض حيث تستدير الظّلمة حول الوجه المستدبر للشّمس، ويستدير الضّوء حول الوجه المستقبل للشّمس، ولأنّ الأرض في حالة دوران حول نفسها اقتضى ذلك أن يتحوّل الضوء من جهة إلى جهة أخرى فيكون في الموقع الذي كانت الظلمة تغشاه، وبذلك يُصبح الموقع الذي كان الضّوء يغشاه مظلمًا، فليس لموقع الضّوء ثبات كما أنّه ليس لموقع الظّلمة ثبات، بل كلٌّ من الليل والنّهار يتعاقبان على كلٍّ من وجهَي الأرض.
ولأنَّ تحوُّل أحد شِقَّي الأرض من الاستقبال للشَّمس إلى استدبارها لا يكون بنحو الطَّفرة لذلك تتحوّل الظّلمة والضّوء بمستوى حركة دوران الأرض حول نفسها فيشع الضوء في موقعٍ كان مظلمًا وتعمُّ الظلمة في موقعٍ كان مُشِعًّا، فلو تصورنا خطوطًا وهميةً مستديرةً حول الأرض لكان الضوء كُلَّما شَعَّ في خطٍّ من هذه الخطوط فَقَدَ خطًا كان مُشِعًّا فيه فأصبح مظلمًا، فكأن الضوء غشي موقع الظلمة وكأن الظلمة غشيت موقع الضوء، وهذا هو سر التعبير بقوله "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ"(2)، واختارت الآية التعبير بالفعل المضارع ?يُكَوِّرُ? لإفادة الاستمرار والتجدُّد كما هو مدلول صيغة الفعل المضارع.
وهو سر التعبير في آية أخرى بقوله تعالى "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا"(3)، فكأنما الظلمة تُلاحق الضوء وكذلك قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا"(4).
وبتقريبٍ آخر إنَّ التعبير بالتكوير الوارد في قوله تعالى "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ"(5)، لا يناسب افتراض أنَّ الأرض مسطَّحة، وذلك لأنَّ المدلول اللغوي للفظ التكوير(6) هو لفُّ الشيء بنحوٍ يكون على هيئة الكُرَة، فحينما يقال كوَّرْتُ الطِّين أو العجين، فإنَّ معناه جَعَلتُهُ يأخذ شَكْلَ الكُرَةَ، فلو كانت الأرض مسطَّحَةً لكان التَّعبير بتكويرِ الليل والنَّهار عليها غير دقيقٍ، فالليلُ والنَّهارُ بمثابة الخَطَّيْنِ فإذا افترضنا أنَّ إحاطتهما بشيء كان بنحو التكوير كان ذلك مقتضيًا لكرويَّة ذلك الشيء، إذْ لو كان ذلك الشيء (الجسم) مربعًا مثلاً لأخذ الخطان شكل المربَّع، وهكذا لو كان مثلثًا لأخذ الخطان شكل المثلث، ولأن الآية المباركة عبَّرت بالتكوير فذلك يكشف عن أنَّ شكل الأرض كروي.
وثمّة آيات أخرى أشارت إلى كرويّة الأرض يُمكن الوقوف عليها بالتأمل ومراجعة البحوث المتصدية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
توهم أن الأرض مسطحة في القرآن:
وأما الآيات التي توهَّم البعض دلالتها على أنَّ القرآن الكريم أفاد أنَّ الأرض مسطَّحة فهي مثل قوله تعالى "وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"(7)، وقوله تعالى "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا"(
، وقوله تعالى "وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"(9)، وتمام هذه الآيات ونظائرها لا دلالة فيها على دعوى أنَّ القرآن يرى الأرض مسطَّحة.
أما قوله تعالى "وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"(10)، فالمراد من تسطيح الأرض هو بسطها، وتسويتها وتهيئتها بحيث تكون صالحة لأن يسكنها الإنسان وينتفع بها ويتنقل فيها، فيكون مفاد هذه الآية المباركة هو مفاد قوله تعالى "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً..."(11)، وقوله تعالى "وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ"(12)، وقوله تعالى "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا"(13)، فَفَرْشُ الأرضِ يعني بسطها ومَهْدها يعني تهيئتها لتكون صالحة للاستقرار عليها، وهذا هو معنى مدّ الأرض الوارد في قوله تعالى "وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ..."(14)، فمدُّ الأرض يعني بسطها من جهتي الطول والعرض.
وعليه يكون مفاد تمام هذه الآيات هو أنَّ الله تعالى بصدد التذكير لعباده بما أنعم به عليهم من بسط الأرض وتهيئتها لتقوم عليها معائش الناس، فالتّوصيفات المذكورة في هذه الآيات المباركات إنما هي لسطح الأرض، فالفراش والمهاد والمدّ والتسطيح والبسط توصيفات لسطح الأرض وليس للهيئة التي عليها واقع هذا الكوكب إذ أنَّ سياق الآيات هو التذكير والوعظ ولا يكون التذكير إلا بما هو مشهود.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- سورة الزمر آية رقم 5.
2- سورة الزمر آية رقم 5.
3- سورة الأعراف آية رقم 54.
4- سورة الفرقان آية رقم 45-46.
5- سورة الزمر آية رقم 5.
6- لسان العرب - ابن منظور - ج 5 ص 156، مختار الصحاح - محمد بن عبد القادر - ص 299.
7- سورة الغاشية آية رقم 20.
8- سورة نوح آية رقم 19.
9- سورة ق آية رقم 7.
10- سورة الغاشية آية رقم 20.
11- سورة البقرة آية رقم 22.
12- سورة الذاريات آية رقم 48.
13- سورة النبأ آية رقم 6.
14- سورة ق آية رقم 7.